خيالXخيال

اثنين, 2014-07-14 09:14

تخيلتُ أن "رئيس الفقراء" في موريتانيا سارع إلى إغاثة ضحايا السيول في مدينة "أمبود" المنكوبة، وأنه فعل ما فعله ذات يوم رئيس الفقراء في فنزويلا،
والذي كان قد فتح أبواب قصره لاستقبال 25 أسرة فقيرة تضررت من الأمطار والفيضانات، بل إنه أكثر من ذلك فقد أعطى تعليماته الصارمة لكل عمال قصره الرئاسي بضرورة الاهتمام بضيوف القصر من الفقراء ضحايا السيول والفيضانات إلى أن يتم توفير مساكن لهم بدل مساكنهم التي هدمتها السيول والفيضانات.
وتخيلتُ أيضا أن "رئيس الفقراء" في موريتانيا سارع إلى إغاثة ضحايا السيول في مدينة "أمبود" المنكوبة، وأنه فعل ما يفعله في العادة رئيس الفقراء في الأرغواي لمشردي بلده، والذي يخصص لمن لم يجد منهم ملجأ في المراكز المخصصة لإيواء المشردين أجنحة قصره يقيم فيها إلى أن يوفر له مسكنا بديلا.
وتخيلتُ أيضا أن الرئيس تبرع لمنكوبي أمبود بخمسة ملايين أوقية من حسابه في "سوسيتيه جنرال" مثلما تبرع  في وقت سابق وبنفس المبلغ للمنتخب الوطني. وتخيلتُ كذلك بأنه طلب من كل من تبرع للمنتخب الوطني أن يتبرع لمنكوبي أمبود، وأنه طلب من التلفزة الموريتانية بأن تنظم يوما مفتوحا لجمع التبرعات لصالح ضحايا السيول في المدينة المنكوبة.
ثم تخيلتٌ بأني شاهدتُ وزير التوجيه الإسلامي وهو يتبرع ـ وبحماس ـ  لمنكوبي أمبود، كما شاهدته ذات مرة وهو يتبرع بحماس للمنتخب الوطني.
وتخيلتُ أني شاهدت كل تلك الأفواج التي شاهدتها ذات يوم وهي تتزاحم عند باب التلفزيون للتبرع للمنتخب الوطني، تخيلتُ أني شاهدتها اليوم وهي تتزاحم عند مدخل مدينة أمبود للتبرع لضحايا السيول الأخيرة.
وتخيلتُ أني شاهدت كل أولئك الذين جاؤوا بأبنائهم ليتبرعوا للمنتخب الوطني، بأني شاهدتهم اليوم وهم يأمرون أبناءهم للتبرع لأطفال الأسر المنكوبة في مقاطعة أمبود، بنفس المبالغ التي تبرعوا بها ذات يوم للمنتخب الوطني.
وتخيلتُ أيضا أن "رئيس الفقراء" أمر بصرف شيء  من المليارات المكدسة في خزائن البنك المركزي على ضحايا السيول في مقاطعة أمبود.
فعلى كل أولئك الذين تبرعوا للمنتخب الوطني ولم يتبرعوا لمنكوبي أمبود، أن يعلموا بأنهم يثيرون الشفقة أكثر من فقراء أمبود المنكوبين، فكيف لا يثيرون الشفقة وهم الذين سارعوا لوضع الأموال في يد الرئيس عزيز لما طلب منهم أن يتبرعوا للمنتخب الوطني، وتقاعسوا عن وضعها في كف الرحمن من خلال التصدق في شهر الإنفاق والبذل على ضحايا السيول في مدينة أمبود، فينمي لهم ربهم تلك الصدقات حتى تكون كالجبال؟ ففي الموطأ، وعن أبي الحباب سعيد بن يسار  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:  "من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل".
فلماذا سارع أولئك إلى التبرع للمنتخب الوطني وتقاعسوا عن التبرع لضحايا السيول في مقاطعة أمبود؟ قطعا إن البحث عن الحسنات لم يكن هو غايتهم يوم تبرعوا للمنتخب الوطني، ولم يكن أيضا هو غايتهم يوم أحجموا عن التبرع لمدينة أمبود المنكوبة في الشهر الكريم.
ولم تتوقف تخيلاتي عند هذا الحد، فلقد تخيلتُ أيضا بأن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة قد فتح باب التبرع لصالح منكوبي أمبود أمام الأقطاب المكونة له، وتخيلتُ أنه فعل ذلك بحثا عن الأجر في الشهر الكريم، وأنه فعله أيضا من باب ابتداع أساليب جديدة لكشف عورات النظام القائم.
وتخيلتُ أخيرا أن المنتدى سيَّر قافلة إغاثة إلى مدينة أمبود المنكوبة، وأنها كانت بقيادة رئيس المنتدى، وأنها كانت محملة بما تبرعت به الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
وفي انتظار أن يحدث شيئا مما تخيلتُ، فإن كاتب هذا المقال، وحتى لا يكون ممن يأمر الناس بما لا يفعل، ليعلن بأنه قد تبرع لضحايا السيول في مقاطعة أمبود بخمس آلاف أوقية، وليعذره أهله في أمبود على قلة ما تبرع به، فما هو إلا مواطن موريتاني يعيش تحت خط الفقر.
لقد تبرع كاتب هذا المقال بخمس آلاف أوقية، ولا ينتظر لتسليمها إلا أن تعلن أي جهة رسمية أو شعبية ذات مصداقية عن إطلاق حملة لجمع التبرعات لمنكوبي مدينة أمبود.
حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]