تجار الموت...... والضحايا المنسيون

اثنين, 2016-02-08 01:33

الكاتب محمد ولد الدحان

إن انتشار الفساد من حولك يعطيك اﻹنطباع بأن أهل الفساد هم الصالحون والناجحون وأنهم مجرد أناس طموحين ومضحين حققوا ما وصلوا إليه من نجاحات بالجد و العمل والمثابرة.

لكن أخطر ما في الفساد هو أنه يكون حاضنة اجتماعية تحميه وتتغذي عليه و تتشكل هذه الحضانة دائما من نخبة المجتمع وقادته المستفيدين . إن تجارنا هم تجار الموت والمرض حيث أن أغلب المواد الغذائية، واﻷدوية (بشرية أو حيوانية)، ومنتجات اﻷلبان المحلية، ومستحضرات التجميل هي كلها مواد ضارة، إما مزورة أو منتهية الصلاحية أو مغشوشة أو تحتوي على مواد سامة.

كما أنها هي السبب الأهم وراء انتشار أمراض كثيرة لم تكن معروفة عندنا بصورة وبائية مثل الفشل الكلوي، و أمراض الكبد الوبائي، والسرطانات بأنواعها (الباطنية و الجلدية...)، فزيارتك ﻷي طبيب متخصص في اﻷمراض الجلدية كفيلة بأن تطلعك على حجم الكارثة وهول هذا الجرم المشهود  والمسكوت عنه من طرف ساستنا وإعلاميينا وأطبائنا وكتابنا ومثقفينا ونشطاء مجتمعنا المدنى، وحتى علمائنا وكأن الكل متآمر على هذا الشعب المسكين، فلا صوت يعلو على صوت الجشع واﻹرتزاق وكسب المال بأي طريقة كانت، وكأن المهم هو أن تحصل على المال والمال فقط.

لقد أصبحت الطائرات المتوجهة إلى بلدان الجوار تسمى طائرات اﻹسعاف وذالك ﻷنها لا تغادر واحدة منها إلا وعلى متنها مريض أو عدة مرضى.

كما أن انتشار المطاعم و المقاهي التي يملكها أجانب لا يهتمون إلا بالربح والتربح على حساب صحة المواطن وآخر همهم هو صحة هذا المواطن وسلامته، وذلك لغياب السلطة الرقابية والمتمثلة في البلديات ووزارة الصحة وخصوصاً قطاع الصحة العمومية، مع غياب نشطاء المجتمع المدني. فأماكن طبخ الطعام في هذه المطاعم هي أقرب إلى مكب لنفايات(أنباليت)، حيث تكثر فيه اﻷوساخ والجراثيم والحشرات، ودائما ما تكون بجوار الحمامات القذرة ، كما أن أصحاب هذه المطاعم لا يرمون الفاسد من الطعام، وإنما يتم تسخينه وإعادة بيعه، وذلك بالإضافة إلى أن المواد المنتهية الصلاحية هي أهم مصدر لإعداد الوجبات في هذه المطاعم نظرا لتدني سعرها، وتوفرها في اﻷسواق بكثرة.

المحزن في اﻷمر هو أن تجار الموت والمرض يتصدرون المشهد السياسي كقادة ومناضلين في اﻷحزاب (معارضة و موالاة )، ومنتخبين محليين، و"ممثلين للشعب" تحت قبة البرلمان.

إنهم يوفرون جزء من أرباحهم الطائلة للسياسة، وهم بذلك يحمون أنفسهم، وبالتالي فإن حلف الجشع القائم بين أهل المال والسياسة بمباركة أهل اﻹعلام ورجالات الدين وسبات المواطن في هذا البلد الضعيف هو العائق الأول الذي يحول دون تشريع وتطبيق سياسات رقابية ذات طابع وقائي تكون رادعة لكل هذه الممارسات الجشعة البعيدة تماما عن الأخلاق وعن الإنسانية. .

الكاتب محمد ولد الدحان