مهرجان موسم التمور في آدرار..رافعة جديدة في مجال ترقية السياحة

ثلاثاء, 2014-08-12 15:42

بقلم سيدي ولد سيد احمد

تمتاز تمور ولاية آدرار بالجودة، كما تمتاز واحاتها ووديانها،التي أثمرت تلك التمور العالية الجودة، بروعة الجمال وحسن الاتساق، مشكلة جداول من نخيل وعيون مياه عذبة، تملأ عيون الناظرين إليها مسرة وبهجة، وتحيي في نفوسهم الأمل والتعلق بجمال الطبيعة..

 التصقت حياة الإنسان في ولاية آدرار بعظمة تلك الطبيعة، فانشأ مبكرا عشرات واحات النخيل الممتدة على طول وعرض الولاية، مشكلة لوحة رائعة، تشد إليها الرحال، في موسم التمور، من كل فج عميق من أنحاء موريتانيا، لتكون بذلك ملتقى لكل الوافدين من مختلف مدن قرى وأرياف البلاد، وموعدا للقاء ذوي القربى والأحبة.

لقد شكلت تمور ولاية آدرار أحسن سفير لها في ربوع الوطن، كما مكنتها واحات نخيلها من أن تكون مركزا للسائحين في موسم التمور، لتظل شامخة، رغم التحولات الكبيرة، التي أثرت سلبا على واقع الولاية ، ممثلة في التصحر والهجرة وقلة المياه ، وإدراجها من طرف الخارجية الفرنسية في الخط الأحمر في مجال السياحة، وغياب الاستثمارات والدعم الرسمي لها،ونسيان وتنكر المنحدرين منها لواجباتهم اتجاهها

فظلت ولاية آدرا ر، عبر عصور طويلة  قاطرة للوطن، تعبر من خلالها تجارة التمور والملح وقطعان الماشية، وازدادت أهمية مع ظهور شركة مناجم الحديد في مدينة أزويرات في مطلع الستينيات من القرن الماضي، حيث أضحت مركز عبور بين ولايات الشمال  وباقي ولايات الوطن، فازداد نشاطها بعيد انشاء طريق نوكشوط أطار في نهاية التسعينات وإقامة شركة مناجم مدينة أكجوجت(النسخة الثانية)، إلا أن النشاط التجاري والحركة الاقتصادية للولاية عرفت تناقصا ملحوظا ،خلال العقد الأخير، نتيجة توقف السياحة وإنشاء الطريق الرابط بين نواكشوط وانواذيبو سنة 2004، واعتماد البلاد، في مجال الخضروات، على الاستيراد من  المملكة المغربية، مما ضاعف من معاناة سكان الولاية، ودفع الكثير منهم للهجرة، بحثا عن مصادر للرزق.

وتبقى الآمال معلقة على انتهاء أعمال طريق تجكجة –أطار ووصولها إلى مركز شوم، من أجل استعادة الولاية لنشاطها وحيويتها التجارية، كما مكن  تنظيم مهرجان المدن القديمة في مقاطعتي شنقيط وودان ، خلال السنوات الماضية، من تفعيل الدور الثقافي والعلمي والاقتصادي ، لتلك المدن القديمة وعامل تثبيت لساكنتهما.

ولا شك أن تنظيم مهرجان موسم التمور في عاصمة الولاية، يشكل سابقة مهمة وركيزة أساسيية، ستمكن مدينة أطار من استعادة دورها الريادي في مجال إنتاج التمور وتسويقها والتعريف بمقدراتها السياحية والزراعية، بالإضافة للكشف عن موروثعا الثقافي والعلمي ومكانتها الدينية والاجتماعية.

عمر مدينة أطار يمتد لأكثر من أربعة قرون مضت، عرفت فيها المدينة مجموعة من التحولات، حتى استقرت على شكلها الحالي، وهي تقع على هضبة، تحدها  شرقا سلسلة آدرارالجبلية  وشمالا مدينة أزوكي، عاصمة الدولة المرابطية، التي اشتهرت بقاضيها الإمام الحضرمي، المدفون تحت رمالها.

اشتهرت مدينة أطار بمسجدها العتيق، الذي شيده الإمام محمد ولد أحسين، المعروف بالإمام المجذوب، رفقة مجموعة من وجهاء المدينة وأعيانها سنة 1085 للهجرة، بعيد عودته من مكة المكرمة، حاملا معه أحجارا من الحرم المكي ، أسس عليها المسجد، وهو يشبه إلى حد كبير مسجد شنقيط التاريخي، لكن التعلق بالحداثة الغير مدركة لأهمية التراث المعماري، قضت على ذلك المسجد وشيدت مكانه مسجدا عصريا، شكل قطيعة مع ذلك الماضي والتراث العريق.

وامتازت المدينة القديمة في أطار بتميز شكلها المعماري وتناسقه مع نظام "قرن القصبة" المعروف قديما في الجنوب المغربي، والذي يجعل المسجد العتيق ملتقى لجميع شوارع المدينة، بالإضافة إلى أنه مصمم على حماية المدينة وساكنتها من أي معتد.

وقد توسعت المدينة، سنوات يعد الاستقلال، لتشمل أحياء جديدة من بينها "أمباركه واعماره" او"اغنمريت"و"الجديدة"، بينما هاجر معظم سكان حي "أدباي"، بعد السيول الجارفة سنة 1984، والتي خلفت كارثة حقيقية، انهار على إثرها معظم مباني حي "أتويفنده" و"الحسينية" و"أركيك" و"أغنمريت"ولم يسلم إلا الحي القديم المعروف ب"قرن القصبه"، الذي أختار الأوائل مكان بنائه على أساس تجربة محكمة.، فكان فعلا الموقع المناسب والواقي منمياه السيول.

ومن أجل تثبيت سكان مدينة أطار، عمدت الدولة إلى إعادة انشاء سد المدينة، الذي أقامه الفرنسيون من أجل حماية المدينة، لكن عوامل التعرية والنحت  أتت على بقية ما تركته الأيادي العابثة، التي امتدت إليه، بعد سنوات الاستقلال.

بعد تلك السيول الجارفة، هاجر الكثير من سكان المدينة نحو المدن الحديثة، بحثا عن أماكن تأويهم، بعدما فقدوا منازلهم وممتلكاتهم وما تحويه من قصص ومآثر.

لكن المدينة عرفت نشاطا وتمددا عمرانيا، سنوات بعد تلك الكارثة، فقد نجح العمدة السابق لمدينة أطار السيد أحمد ولد سيدي باب في إقناع العديد من رجال الأعمال وأصحاب الثروة في بناء مساكن حديثة، أسهمت في إعطاء المدينة وجها مدنيا عصريا ومكنت من إيواء ضيوف المدينة.

وما تزال المدينة تعاني من عدة مشاكل من أبرزها نقص مياه الشرب وانتشار البطالة وانعدام مؤسسات التعليم الجامعي، مما يضطر الكثير من أبنائها للهجرة سعيا وراء التعليم وفرص العمل.

وتكاد مكتبات المدينة القديمة أن تندثر، فقد غيبت الموت صاحبة مكتبة أهل اعبيدنا السيدة مريم، فغابت معها المكتبة، بكل ما تحتويه من مؤلفات وكتب ثمينة وما تمثله من نافذة على تراث الولاية عموما وتراث المدينة خصوصا، كما دخلت مكتبة سيدي ولد أخليل في غياهب النسيان، بعدما أغلقت أبوابها، بعيد وفاة أحمدو ولد سيدي ولد أخليل، الذي كان قائما عليها، منذ وفاة والدته سنة 1972 حتى تاريخ وفاته سنة 2010.

ويعاني  ضريح الإمام الحضرمي (قاضي مدينة آزوكي) من الإهمال الشديد، فقد تناثرت حجارته وتساقطت أعمدته، مضيعة جزءا من تاريخ الرجل وقصته مع تلك المدينة التاريخية، التي مثلت ذاكرة هذا الوطن، الذي يستمد شرعيته التاريخية من دولة المرابطين.

ويقدر العارفون بشؤون الولاية أن مهرجان موسم التمور سييعيد لها دورهما التاريخي والثقافي والعلمي والاقتصادي، كمركز إشعاع وعطاء وتبادل بين مختلف ولايات الوطن، إذا تم استغلاله وتوظيفه لاكتشاف إمكانياتها وتوفير فرص للاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية فيها.