تمرد الطبيعة والمدارس والموسيقى من الجزائر إلى موريتانيا… السراويل الممزقة في المدارس

ثلاثاء, 2020-01-07 11:18

تباغت الطبيعة الناس وهم في غفلة عن ديناميتها وباستهتارهم نحوها ونعتها باللاعقل. لدغة عقرب قاتلة، وباء كوليرا غير مفهوم الأسباب، لدغة ناموس نمر تخرج لنا تثير الهلع، دخلت البلد بعجلات سيارات قدمت لا نعرف من أين؟ ثم الفيضانات والسيول الجارفة والطين والأوحال. إنها الكوارث التي نسارع بالقول إنها طبيعية، لكنها تعري البنى التحتية والارتجال في كل المشاريع وتعري البشر. وإن تناقلت المواقع والصحف بأسى كبير وفاة الشابة في العاصمة جراء السيول والهلع الذي أحدثته. إلا أن صورة السيول التي غمرت مستشفى نفيسة حمود (بارني) في حسين داي وخاصة مصلحة طب سرطان الأطفال، لم يمر مرور الكرام. وشهادات العاملين في المصلحة من أطباء أطفال وغيرهم، كشفت المستور من أنانية الإنسان المسؤول ومقدار الاستهتار بالأرواح. وبالأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة. كارثة متشعبة، مرضى السرطان والعزلة الاجتماعية وقلة الرعاية لهم. هشاشة مضاعفة وطفولة تشكو التصدع النفسي والجسدي والبيئي. ماذا تنفع تحذيرات مصالح الأحوال الجوية عن غضب السماء والأرض أنهكتها مشاريع الافساد!

عندما تهجم السيول من كل جانب بعدما كان الجميع ينتظر أمطارا خريفية دافئة تغسل وجه الأرض والشجر والبشر من غبار الصيف ورياحه الكئيبة. والناس تنتظر لحظات انبعاث الأرض والافصاح عن أنها حية ترزق وبصحة، وقد تنبت الخضر وأشجار الحوامض، وقد يأتي موسم الزيتون وافرا قبل سقوط البرد بحجم حبة حجارة ناقمة. أيها الإنسان يا من تصرخ في الشوارع وتغتاب وتأكل اللحم نيئا وتشرب الدم أكثر من ملايين الباعوض وتقتل وتنتهك وتلوث. كيف تنتظر مطرا مطهرا لأرضك ولشجرك ولحياتك. غيرت الكون ومساراته فانتقمت الطبيعة لنفسها ومنك، لا لأنك أهملتها ولم تمهلها وقتا لتراجع نفسك وتتراجع هي عن غضبها. كل يوم تخرج من جرابها عدوانية أكثر مما كانت عليه. لنغير من أنفسنا حتى تتغير الطبيعة أو ما بقي من تنوعها!

عذر مؤسسات التربية أقبح من ذنب

تعليمات وزارة التربية صارمة هذه المرة في بنود القانون الداخلي للمؤسسات التربوية بشأن هندام التلاميذ وبعض سلوكاتهم الاستهلاكية. ككل مرة تمنع السراويل الممزقة. والقصات الغريبة والماكياج واللباس القصير للفتيات…الخ من التعليمات. ترفض المدرسة الجزائرية «الحداثة» و»التشدد» كما جاء على لسان ممثل جمعة أولياء التلاميذ. فكما رفض ارتداء المعلمات للنقاب، وهذا ما يقصد بالتشدد. ترفض «الحداثة» السراويل المقطعة وتسريحات الشعر واستعمال الجوال؟ كما عبر ذات المسؤول بأن هذه قوانين صارمة في المدارس العمومية ومن لم يقبل بها يذهب إلى القطاع الخاص. كأن هذا الأخير لا يخضع لقوانين وزارة التربية الوطنية، وكأن قوانينها الداخلية مستوردة، وليست نفسها الموجودة وتسري على القطاعين العام والخاص. وكأن من يرسلون أبناءهم للمدارس الخاصة حداثيين ولا يهمهم اللباس المعياري للتلاميذ ويضربون تعليمات الوزارة عرض الحائط. لم يعد القطاع الخاص مجرد «بريستيج» للعائلات الغنية أو الميسورة، بل نتاج خلل في المؤسسات التربوية في القطاع العام. كنا ننتظر أن تأتي القوانين والتعليمات بشأن الإطعام الإجباري للأطوار الثلاثة عوض تسكع التلاميذ في الشوارع بحثا عن أطعمة غير صحية وفي طرقات غير آمنة. وكذلك كان ينتظر في حل مشكلة تنقل التلاميذ من أحيائهم البعيدة عن المؤسسات التربوية. كنا ننتظر ضرورة طلب الحماية للأبناء ممن يترصدون بهم الدوائر وادخالهم دوامات العنف والإدمان في غياب ورشات تنمية قدراتهم الفنية والتعليمية والابداعية.
المدارس عامة أصبحت آلة لإعطاء الدروس بفهم أوغير فهم. لم يعد الأستاذ كالولي يرعى التلاميذ ويحل مشاكلهم المستعصية. نرجو أن تدخل مثل هذه التعليمات على النظام الداخلي وعلى تعليمات الوزارة ساعتها يتخلى التلاميذ عن جنون موضة البنطلونات المقطعة وتسريحاتهم الغريبة. ويصبح المكياج واللباس القصير هوامات مراهقين يعوضون بها تراجع المدرسة عن وظائفها التعليمية والتربوية. كل ذلك حتما سيزول بالثقة التي يزرعها الأساتذة والقائمون على المنظومة التربوية بزرع روح التعاون والابتكار والانغماس في الأعمال التطوعية والرياضية.
لا بد من الاهتمام بمحيط الدروس لتزدهر معنويات التلاميذ ويقبلون على التحصيل بنهم. وإن تشبع التلاميذ بالقيم والروحانيات والاحترام ووصلوا لدرجات النبوغ. ينتظر ايجاد بيئة اجتماعية وتربوية صالحة لا تكتفي بالسوط، وأن لا تصبح المؤسسات التربوية مؤسسات عقابية مثلها مثل السجون. نعم أطفالنا يحسون كأنهم في سجون لا يعبرون عن الأخطاء الموجودة بالكتب فهم لا يعرفون أكثر من المعلم. وليس لهم الحق في التساؤل والتمرد. فكيف تبنى أجيال داخل هذا الوسط المحبط. ورغم كل شيء تحية لكل من يمارس دورا مزدوجا في المؤسسات التربوية، دور الملقن والمربي في آن. إنها المقاومة.

الراب وحمى الأغنية «السياسية» متواصلة في موريتانيا

منذ تسعينيات القرن الماضي شهدت دول المغرب دخول لون جديد من الموسيقى، يضاف إلى الألوان الأخرى التي ترسخت في تقاليد الموسيقى المحلية. ودخول هذا اللون لم يكن مستساغا سياسيا ولا اجتماعيا في بداياته، لكنها رياح التغيير السياسي من فرضته على شباب يعيش أوضاعا مزرية في أحياء مهمشة عشوائية تفتقر إلى مساحات الحلم لتغييرها نحو الأفضل، وليس غير الموسيقى والغناء بهذا الأسلوب الجديد لتكون ثورة جذرية على الأشكال المحافظة فنيا واجتماعيا وسياسيا. ولأن للسياسة الدور البارز في إحداث التغيير، أي ما تتمتع به من سلطة تشريعية وتنفيذية فإنها كانت في عين إعصار الرابور المغاربي.
بعد أغاني فرقة أولاد البلاد الموريتانية، التي اعتبرت لسان حال الطبقات الفقيرة المعدمة، وتلك التي انتقدت نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مما كلفها الابتعاد عن موريتانيا واستقرارها في السينغال وسجن أحد أفرادها. وبعد أغاني أقضت مضاجع السياسيين وفساد بطاناتهم، كأغنية «اسقاط النظام» وعودتها مؤخرا بأغنية «معنت معنت»، التي صورت في كندا، بعد انتقادها فنيا للناطق الرسمي للحكومة الموريتانية بشأن ابعادها وبأنه كان برغبتها ويدعوها للعودة لترقص. كيف لمن يمسك الأسلاك الشائكة ويمشي حافيا على الجمر أن يغريه الرقص و»التهييص». وهي الفرقة التي دعت لإلغاء أشكال التمييز وضد القمع الذي تمارسه السلطة وقوات الأمن ضد المتظاهرين لتحسين ظروف الحياة والحريات. كيف لمن يلتزم بقضايا الوطن أن تغريه العودة للرقص والفرجة، كما يريدها الساسة والمحافظون ممن يروا في الغناء مجرد لهو وترويح من تعب النهار.
لم يقتصر النقد على أولاد البلاد، هاهي مجموعة من فناني الـ»هيب هوب» الموريتاني، ومنذ أيام قلائل فقط، يخرجون بأغنية جديدة بعنوان «ندور حقي» أبحث بحقي، المطالبة بالحقوق الضائعة المنهوبة في حكم الرئيس السابق ويطالبونه باستعادة أموال الموريتانيين المنهوبة من طرف العصابة.
المصطلح ينتشر كالنار في الهشيم بين الشعوب الجارة. عصابات حاكمة نهبت وانتفاضات شعبية وفنية تطالب بوقف نزيف خيرات الشعوب وتفقيرها وزرع الأحقاد والطائفية والعنصرية المقيتة بينها.
الراب في موريتانيا ومن خلال مكوناته البشرية يعكس التباين البشري والقبلي والنظرة المزدرية للون والمكانة. معظم المغنين من»المكون الزنجي» والقليل من البيض، والأغاني إن بدأت باللغة العربية الحسانية فكأنها ترتيب طبقي وتفاضل ألسني ترسخ في المجتمع الموريتاني ليفتح على اللغات العالمية الأخرى كالانكليزية والفرنسية وحتى اللغات المحلية الافريقية. حال فناني الراب في الجزائر وتونس والمغرب يغرقون في المحلية اللغوية وينفتحون على العالم لإيصال أصواتهم للعالم وللعالمية. وربما نظرة المجتمع الدونية لهذه الموسيقى هي ما قلل من ظهور المرأة ضمن فرق الراب. لكن إن سلمت «الزنجيات» من الانتقادات على تحرر المظهر والممارسات ضمن الأداء، فلا يمكن أن تمر مغنية بيضاء البشرة بسلام في حدوث انتهاكات اللباس أو بعض ممارسات الأداء الغنائي. هكذا هي موريتانيا تؤسس لتناقضات مكانة المرأة في المجتمع التقليدي، وذلك المتخطي لعتبات «الحداثة». وتبقى التصورات الاجتماعية والمواقف السياسية بالمفهوم الشامل هي من يصنع الفرق.

 مريم بوزيد سبابو

كاتبة من الجزائر