الهجرة دروس وعبر

أربعاء, 2021-08-11 08:43

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن-اسطنبول

وقفات مع التاريخ شاهدناها،حين قرر نبينا، صلى الله عليه و سلم،الخروج من بيته بمكة و ترك عليا، كرم وجهه،نائما مكانه،ففوجئ كفار قريش، أن من هموا بقتله، أفلت من أيديهم، بحكمة و تخطيط و حفظ رباني بديع،فخرجوا لا يلوون على شيئ،و رغم وجوده فى الغار بضواحى مكة،حجب عنهم بعناية ربانية عظيمة،و كان و رفيقه، أبوبكر الصديق،رضي الله عنه،يبصران أقدام الباحثين المتعقبين،عند فتحة الغار،لكن ما يظهر من قدم النسج على واجهة الغار، لا يدل إطلاقا على وجود و لا مرور أي بشر، منذو فترة طويلة،و كان ابن أريقط الراعى، يمر و قطيع غنمه، ليخفي أثر المسير،و تطوف ذات النطاقين،أسماء بنت أبى بكر الصديق،رضي الله عنها، داعمة بالزاد.
فما أبدعها و أجملها من رحلة عظيمة تاريخية، أسست لوضع أولى لبنة، لتأسيس عاصمة الدولة الإسلامية، فى المدينة المنورة.
و قد أفلح سراقة ابن مالك، فى الاقتراب من المهاجرين،لكن ساقا فرسه، غاصت فى التراب، حتى كادت تهلك ،لكن وعد قريش له بمائة ناقة،أعماه عن كل خطر،و رده رسول الله،عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم،بعد وعده بسوار كسرى،و كان له ذلك بعد سنين.
و فى مرحلة متقدمة من الطريق، عند واد قديد،بمنتصف الطريق، بين مكة و المدينة،وجدا أم معبد،فحلبا اللبن من شاة جدباء، من غير ضرع مدر،و أبدعت فى وصفه، صلى الله عليه و سلم،حين عاد زوجها.
و انتهت الرحلة المباركة بأمان، و استقبل الأنصار خاتم الأنبياء و المرسلين،محمد بن عبد الله،صلى الله عليه و سلم،بمدخل المدينة المنورة،و هم ينشدون،طلع البدر علينا من ثنيات الوداع/وجب الشكر علينا ما دعا لله داعى.
و فى مبتدأ هذه الرحلة،يقول رسول الله،صلى الله عليه و سلم،لصاحبه أبى بكر الصديق،رضي الله عنه،بعد خوف الصديق على النبي،عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم:"ما ظنك بإثنين الله ثالثهما".
و فى هذا المعنى، نزل قرآن يتلى :"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
و قد أمضيا ثلاث ليال، بغار ثور بأسفل مكة،حتى يبرد عنهما الطلب.
و ستظل أبرز دروس الهجرة النبوية،ضرورة الخروج من الحيز الجغرافي، الذى تظلم فيه ظلما مضرا و لا تقدر على رده،فشرع الله لعباده مجافاة أنظمة الظلم هذه،حتى لا تتمكن من تحقيق خطتها المقصودة المزمنة، بإيذاء المؤمنين.
فقد هاجر نبينا،صلى الله عليه، و صبحه إلى المدينة،بعد أن صبروا و ضحوا،عشر سنين فى مكة،و بعد أن أخذ رسول الله،صلى الله عليه و سلم،المواثيق على أهل يثرب من المسلمين،بنصرته،و كان ذلك فى بيعة العقبة الأولى و الثانية،و بحضور عمه العباس،رضي الله عنه.
فكان فى الهجرة نفسا جديدا، متحررا من الظلم و التضييق الشديد على الدعوة،و خصوصا بعد أن وصل كفار قريش، لقرار قتل الرسول الخاتم،صلى الله عليه و سلم،بعدما أوغلوا فى إيذاء صحبه،خصوصا المستضعفين منهم.
و بعدما تهيأت ظروف الحماية و النصرة فى المدينة،أذن لرسول الله و صحبه بالخروج من مكة، قاصدين المدينة،حيث انطلقت من الأيام الأولى لبنات تأسيس الدولة الإسلامية الجديدة،و كانت الخطوة الأولى بناء المسجد،الذى مثل ركن القيادة المركزي، فى تدبير جميع شؤون المسلمين.
كان المسجد النبوي، محل العبادة و منطلق الجهاد و مكان عقد الألوية، و فيه يحسم رسول الله،صلى الله عليه وسلم،كل أمر.