اعتقال بيرام ... إلى أين ؟ ( قراءة تحليلية )

أربعاء, 2014-11-12 08:01

بقلم : سعد بوه الشيخ أحمد

 

أقدمت السلطات الموريتانية يوم أمس الثلاثاء على اعتقال الناشط الحقوقي والمرشح السابق بيرام ولد الداه ولد أعبيدي ، على مشارف مدينة روصو مع عدد من قيادات حركته .

وقد بررت السلطات هذا الاعتقال بأن حركته كانت تنوي تنظيم تظاهرة غير مرخصة في المدينة وسعيها لزعزعة الأمن والاستقرار ، وذلك بناءا على تقدير السلطات الأمنية .

حركة أيرا من جانبها استنكرت الاعتقال على لسان نائب رئيس الحركة السعد ولد لوليد ، قبل أن يتم اعتقال هذا الأخير في تجمع لأنصار الحركة قرب سوق العاصمة .

كل هذه الأحداث المتسارعة وحساسيتها  تفرض علينا أن نطرح على أنفسنا بعض التساؤلات المشروعة لكل من يتمنى الخير لهذا الشعب .

 

بداية المسار

منذ أن بدأت حركة أيرا نشاطها في الساحة الموريتانية ، أخذت خطاباتها شكل تصادمي مع مكون رئيسي من مكونات الشعب الموريتاني ( البيظان ) ، وبدأت بإدخال مصطلحات جديدة وغريبة من قبيل ( دولة البيظان ) ( الأسياد ) ... وغيرها من المصطلحات التي هزت المجتمع وإثارت الكثير من اللغط ، في البداية كانت الحركة تدعي أنها من خلال هذه الخطابات التصادمية مع فئة معينة من المجتمع تدافع عن المحرومين والمظلومين من فئة لحراطين ، في تلك الفترة ترقب الجميع ما ستؤول اليه الأحداث ، وكيف سيكون تعامل السلطات السياسية والإدارية في البلد مع هذا النوع من الخطاب والذي مثل استثناءا من حيث الشكل والمضمون .

رغم أن الحركة حاولت في البداية أن لا تظهر بشكل مشروع سياسي بقد ما حاولت أن تظهر بشكل حركة حقوقية تدافع عن بعض القضايا المحرمة دوليا مثل عمالة القصر والعبودية ... الامر الذي انعكس على تعامل السلطات معها وتعاونت معها في حملات أمنية ضد عمالة القصر وحالات الاشتباه بالعبودية .

أما الأحزاب السياسية المعارضة ، لم يختلف تقديرها لحساسية خطاب الحركة كثيرا ، إذ ظنت للوهلة الأولى أن الحركة قد تكون شريكا معها ومساهما في مشروعها السياسي انذاك والهادف إلى إسقاط النظام ، فرأت في الحركة وسيلة ضغط إضافية يمكن تبنيها ، وتغاضت عن خطابها المتطرف ، وسعت للتنسيق معها للمشاركة في مهرجانات الرحيل ، خصوصا أن حزب التحالف بوصفه شريك سياسي معارض- يعتبر تقليديا ممثل سياسي للحراطين – كان يرفض المشاركة في مشروع الرحيل ، تحاشيا منه للمساهمة في أي فعل سياسي قد يؤدي إلى الفوضى والفتن .

وما لبثت الحركة أن رفعت من حدة وحساسية خطابها فحاولت الربط بين العبودية والمذهب المالكي ، وأقدمت على حرق الكتب الفقهية أمام مرأى ومسمع من الجميع ، في فعل اصاب الموريتانيين في أغلى ما يملكون ، وشكل صدمة للجميع .

وهو الأمر الذي أستدعى مراجعة شاملة للتقديرات من قبل السلطات الموريتانية ومن الأحزاب السياسية ، وبدأ الجميع يدرك ما يمثله هذا النوع من الخطاب التصادمي من خطر على وحدة الشعب الموريتاني وتماسكه وتلاحم أبنائه  . بالرغم من أن البعض غض الطرف عن هذا الخطر تغليبا لاعتبارات مصلحيه سياسية آنية ، لم تراع فيها الروح الوطنية .

 

الاعتقال الأول

بعد الصدمة التي أثارتها عملية ( محرقة كتب النخاسة ) كما يحب ان يسميها الناشط الحقوقي والمرشح السابق بيرام ولد الداه ولد عبيدي ، وتحت ضغط شعبي ، قامت السلطات باعتقاله وتعهدت بتطبيق القوانين الرادعة بحقه ، وبحق كل من يتجاوز الخطوط الحمراء ويهدد أمن واستقرار البلد .

وبالفعل كانت الفرصة سانحة للسلطات لتوضح للجميع أن هذا النوع من الخطاب التصادمي الذي ينشر الضغينة والكراهية والحقد بين أفراد الشعب الواحد مرفوض ، مهما كانت المبررات والمسوغات .

كان الكل ينتظر ان يفي الرئيس بتعهداته وأن يقدر حجم وحساسية الموقف ، وان يتخذ الإجراء الملائم الذي يضمن الحفاظ على وحدة هذا الشعب وتماسكه ، بوصفه صاحب السلطة التقديرية الأعلى في هذا البلد .

بعد أيام أطلق سراح  الرجل ، وعاد للخطاب التصادمي ، بل زاد من حدة خطابه وتبجح خلال مهرجاناته بعدم قدرة السلطات على محاكمته ، ولم يبد أي ندم على حرقه لنفائس كتب المذهب المالكي أو على اسائته لمكون مهم من  المجتمع الموريتاني .

وعاد لمحاولة الربط بين الدين الإسلامي الحنيف والعبودية ، رغم ما يحمله هذا الأمر من خطورة خصوصا أن خطابه موجه إلى فئة تعتبر من الأقل حظا في التعليم ، ومستهدفة من قبل العديد من المنظمات التبشيرية .

 

ترشح بيرام والخطأ الفادح

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الماضية كان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز يتخوف من واقع حاولت المعارضة فرضه ، وهو تنظيم انتخابات رئاسية بدون الحد الأدنى من التنافس الكافي لإضفاء الشرعية والمصداقية ، وذلك بسبب مقاطعة أحزاب المعارضة التقليدية للانتخابات الرئاسية ، ورفض أغلب الشخصيات المستقلة المشاركة في سباق معروف النتائج سلفا .

وجد ولد عبد العزيز في زعيم حركة أيرا ضالته للخروج من هذا المأزق ، حيث كان يسعى هذا الأخير إلى الانتقال من مرحلة العمل الحقوقي الغير مرخص إلى المشروع السياسي وفرض خطابه المتطرف بآليات دستورية وديمقراطية .

لقد كان قرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز السماح لبيرام الداه ولد اعبيدي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية خطأ فادح وسوء تقدير كبير من الرجل ، لما يضفيه ذلك من الشرعية على خطاب الكراهية والعنف ، ولما يمنحه ايضا من الحصانة . فبيرام قبل الانتخابات ليس بيرا م بعد الانتخابات ، فالرجل كان متابعا قضائيا و رئيس لحركة حقوقية غير مرخصة مجهولة حجم المتعاطفين معها من الحراطين .

أما اليوم فهو صاحب مشروع سياسي استطاع أن يحصد قرابة 9% من أصوات الناخبين الموريتانيين . وهي نسبة لم يكن ليحلم بها بيرام لو كان في ظروف سياسية طبيعية .

 

أيرا والإساءة للعلماء

عادت الحركة من جديد لرفع حدت صدام مع المجتمع وتجاوز مقدساته من خلال الإساءة إلى ورثة الانبياء ومحاولة النيل منهم والإساءة اليهم علنا ووصفهم بأبشع العبارات . وافتعال حرب غير موجودة أصلا بين مفاهيم التحرر من العبودية والدين الإسلامي الحنيف ، الذي بلغت مفاهيم العدالة فيه والمساواة بين ابناءه ما لم يصل اليه ذهن أي حقوقي عبر التاريخ ، أو أن حربهم مع منهج المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الذي بنا دولة العدل والمساواة الإسلامية ، ومنهجه – منهج المساواة – هو الذي جعل الموالى في الدولة الإسلامية يتقلدون أرفع المناصب ويكونون قادة للمجتمع ، فمنهم العلماء والمفتين ، والدعاة والموجهين ، والقضاة ، والقرآء ورواة الحديث ، والتاريخ الإسلامي حافل بالشواهد على ذلك . 

 

الاعتقال الثاني

بالأمس أقدمت السلطات على اعتقال رئيس الحركة وعدد من قياداتها ، مما يجعلنا نتساءل :

هل سيكون الاعتقال الثاني مثل الأول مجرد توقيف مؤقت بدون متابعة حقيقة ومحاكمة ؟ وهل كان اعتقالهم بسبب تقدير أمني حقيقي وحماية للوحدة الوطنية ، أم مجرد مناورة سياسية ؟ وإذا كانت السلطات جادة في حرصها على الوحدة الوطنية ، وكانت بالفعل ترى في حركة أيرا خطرا على هذه الوحدة  لماذا سمحت لرئيسها بترشح لأعلى منصب في البلاد ؟

كيف سيكون رد فعل 61.218 موريتاني صوتوا له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على اعتقاله ؟

خلاصة

لقد اثارت حركة أيرا بخطابات رئيسها الصدامية الكثير من اللغط في الساحة السياسية الموريتانية ، وخلقت صراعات اجتماعية وسياسية بمفهوم جديد يتطلب التعامل معها الكثير من الدقة وحسن التقدير ن وللأسف لم تكن السلطات الحاكمة ولا الأحزاب السياسية على قدر المسؤولية والوطنية في التعامل معها .

أن النخبة الموريتانية اليوم بحاجة لوقفة حقيقية لمواجهة الخطاب المتطرف  والعنصري واستئصاله من جذوره لما يشكله من خطر على وحدة هذا الشعب وتماسك نسيجه الاجتماعي .

كما أنها مطالبة كذلك بسحب البساط من تحت دعاة الفرقة فكل الموريتانيين – بل كل العالم – ضد العبودية فكرا وممارسة وسلوكا .

واليوم وطننا يحتاج – أكثر من أي وقت مضى – إلى ترسيخ مفاهيم الأخوة والمحبة والتكامل بين أفراد الوطن الواحد ، ونبذ كل أشكال التطرف قولا وفعلا  ، ومحاربة الخطاب العنصري ، والمضي قدما لبناء وطن موحد ينعم أبناءه بالأمن والاستقرار .