التوافق السياسيّ صِمام أمان للوحدة الوطنية: / إسلمو ولد سيدي أحمد

أربعاء, 2014-11-19 12:58

 

 

لقد كتبت غير مرة عن ضرورة قيام حوار بنّاء بين الفرقاء السياسيين في بلادنا يشارك فيه كل الطيف السياسيّ، الحريص على المصالح العليا للبلد. على أمل أن يُفضِي هذا الحوار إلى الاتفاق على خطوط عريضة وآليات فاعلة وواضحة تسمح بتسيير الشؤون العامة، في جو من الهدوء والطُّمَأْنينة، بعيدًا عن الاضطرابات والقلاقل، والشد والجذب، وسياسة لي الأذرع، وركوب أيّ موجة تلوح في الأفق، من أجل أن يُعكِّر فريق صفوَ فريق آخر لا يتفق معه سياسيا، وحتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة. وسبق أن نبهتُ على أنّ حصول حزب أو فريق سياسيّ على (51) في المائة من أصوات الناخبين، لا يسمح له-بالضرورة-بتسيير الشأن العام في ظروف مواتية، ما دام نصف الناخبين:(49) في المائة، يرون أنهم مهمشون ولا يؤخذ برأيهم في تسيير أمور الدولة. ولعلنا نستفيد، في هذا المجال، من تجربة تونس الشقيقة التي يُجمِع المراقبون على أنها أفضل تجربة سياسية، بعد "العاصفة الهوجاء" التي اجتاحت بلدانا عربية شقيقة، وأُطلِق عليها تعسّفا اسم"الربيع العربيّ". إنّ أهم ما في هذه التجربة الواعدة، هو أنّ السياسيين التونسيين يكادون يُجْمِعُون على أن التوافق السياسيّ- في هذه المرحلة- هو الحل الوحيد للعبور بالبلد إلى بر الأمان. ومهما يكن من أمر، فإنّ مِن شأن الاستمرار في التجاذبات السياسية الحادّة/ والحدّية أن يشوّش-لا محالة-على العمل السياسيّ الذي يمارسه الفريق الحاكم، ممّا قد يعرقل تنفيذ المشروعات الحيوية، وُصُولًا إلى  الإخفاق-لا قدّر الله- في عملية التنمية، وما قد يترتب على ذلك من نتائج مضرة بالاستقرار وبالسلم الاجتماعيّ.

 

إنّ المراقب لما يجري على الساحة الإعلامية الموريتانية، في الآونة الأخيرة، من خطاب متشنّج، ومن عبارات غير لائقة لا تمت بصلة إلى أخلاق الموريتانيين الذين عُرِفوا بأنهم مُسْلِمون ومُسالِمون، يُنزِلون الناسَ منازلَهم، يحترمون علماءهم، يوقر صغيرُهم كبيرَهم ويرحم كبيرُهم صغيرَهم...أقول إنّ مَن يتابع هذا المشهد الغريب، لا يسعه إلّا أن يضع يده على قلبه، خوفا على زعزعة وحدتنا الوطنية التي هي رأس مال لا يُشترَى بالذهب. ذلك أننا ما دمنا متآخين متحابين-كما يأمرنا بذلك دينُنا الحنيف-وما دامت جبهتنا الداخلية متماسكة، فلن تستطيع أيّ قوة داخلية أوخارجية النيْلَ منّا.

 

وممّا زاد الطين بِلَّة، هو أنّ هذا الخطاب النشاز بدأ يحظى بنوع من التعاطف-بطريقة مباشرة أو غير مباشرة-من طرف بعض الأحزاب السياسية، تحت مظلة ما يعرف في أيامنا هذه ب"حقوق الإنسان". إننا مع حقوق الإنسان، لكن بعضهم جعل من هذا المفهوم الإنسانيّ الجميل مطية للوصول إلى أهداف لا علاقة لها بمصلحة الإنسان، بل إن الهدف منها هو تدمير الأوطان. وهنا تكمن أهمية الوفاق السياسيّ حتى لا يجد هذا الخطاب المتطرف من يدعمه سياسيا. ومن ثَّمّ فإنّ صِمامَ الأمان لوحدتنا الوطنية، يكمن في أن يتفق السياسيون-موالاة ومعارضة-على سياسات توافقية تحفظ لكل فريق ماء وجهه-على قاعدة لا غالب ولا مغلوب-وتقف سدا منيعا أمام كل من تسول له نفسه أنه قادر على إلحاق الضرر بوحدتنا الوطنية التي هي رأس مالنا الحقيقيّ.
علينا جميعًا-كل من موقعه-أن ندرك أنّ قوتنا تكمن في وحدتنا، وأنّ عدونا المشترك هوالجَهْل والفقْر والمرَض، وأنّ لكل فئة من فئات مجتمعنا نَصيبَها من هذا الثّالُوثِ "العَادِلِ" في توزيع مخلَّفاته على الناس، دون أيّ تمييزعلى أساس لَوْنِيٍّ أو لُغوِيٍّ أو عِرْقِيٍّ...