محمد جميل ولد منصور:"الحالة الموريتانية لا تجتمع فيها شروط الحالة الثورية"

أحد, 2014-12-14 14:10

 

محمد جميل ولد منصور، رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (تواصل)، وأحد أبرز قادة ومنظري التيار الإسلامي فى موريتانيا "إخوان مسلمين"، يستعرض في مقابلة مع "العربي الجديد" رؤية حزبه للمشهد السياسي الموريتاني، ويردّ على الانتقادات التي سببتها مواقف حزبه من المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، ويستذكر تأثير أحداث الربيع العربي على الأوضاع في موريتانيا، مقدّماً قراءته لأسباب فشل تجربة الإسلاميين في السلطة وأوجه الاختلاف بين تجربة الإسلاميين في المغرب العربي ونظرائهم في المشرق.

كانت مشاركة حزب "تواصل" في الانتخابات التشريعية والبلدية سبباً في تعميق الخلافات بين أحزاب المعارضة الموريتانية، لماذا اتخذتم هذا القرار دون بقية حلفائكم؟
كانت مشاركة الحزب في الانتخابات، دون بقية أحزاب منسقية المعارضة، قراءة سياسية سليمة للوضع الذي تمرّ فيه البلاد. صحيح أنه كان من الأفضل أن نشارك جميعنا أو نقاطع جميعنا، لكننا اتفقنا على أنّه إذا لم نستطع أن نحقق إجماعاً في قرارنا، أن يتخذ كل طرف القرار الذي يناسبه، ولذلك لم يفسد هذا الموقف، رغم حرجه، الود مع هذه الأحزاب. وعاد التواصل بعد الانتخابات، وانتهى الأمر إلى تأسيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة جامعا لنا ولهم.

لماذا يتراوح موقف الحزب من النظام بين الراديكالية أحياناً والليونة أحياناً أخرى، ألا يدل ذلك على افتقاد الحزب لاستراتيجية سياسية واضحة ومحددة؟

هذا الأمر نوقش كثيراً. نعتقد أن المواقف السياسية ليست كالمبادئ؛ الأخيرة طبيعتها الثبات والاستقرار، فيما تقوم المواقف على تقديرات اللحظة والظروف والسياق بالدرجة الأساسية. صحيح أنها ينبغي أن تعتمد على المبادئ، وأن تخدم المقاصد، ولكنها تتغير باختلاف الأحوال والأجواء.
وفي جميع الأحوال، فإن حزب "تواصل" في جوهره وسلوكه العام ليس حزباً راديكالياً؛ فهو يميل إلى العمل السياسي الهادئ والتراكمي والعلاقات السياسية المفتوحة مع مختلف الأطراف. يفضل العمل بروية وتوازن لتحقيق التغيير. ويُدرك أنه بحاجة إلى الوقت، لكي تنضج تجربته ويراكم نجاحاته. ولكن في بعض الأحيان، تجتمع ظروف تخرجه عن هذا المسار مؤقتاً في لغته ومواقفه، وأحياناً في تحالفاته، كما حصل بعد انطلاق الربيع في المنطقة واشتداد الاستبداد والأحادية؛ ولذلك انخرط مع أحزاب أخرى فيما يسمى بمرحلة "الرحيل" والدعوة إليه، فبدا كأنه راديكالي وثوري، ولكن هذا الموقف يفهم فى سياقه وظرفه، بحيث تداخلت عوامل داخلية وإقليمية. ويبقى الأصل العام في الحزب أنه حزب سياسي يفضل العمل السياسي الهادئ.

ما الذي جعلكم كإسلاميين تعارضون نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، رغم أنه منحكم الشرعية السياسية، وسمح لكم بحرية العمل السياسي والدعوي؟

أولاً، الشرعية حق وليست منة واستحقاقا. والتيار الإسلامي نال هذه الشرعية بفعل تراكم نضالاته وقبول الناس له، ثم إنها حدثت أيضاً في المرحلة الديمقراطية الأهم من تاريخ البلد، أي فيما نسميه "القوس الديمقراطي" في فترة الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، حين وقع الاعتراف بالحزب. كما أننا نقدّر كل موقف إيجابي اتخذه أي طرف اتجاهنا. وأعتقد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبعض زملائه في مرحلة من المراحل، كانت لهم مواقف إيجابية، ولكن هذا الأمر لا يأسرنا أو يضيق علينا مجال الاجتهاد السياسي. وموقفنا السياسي يتمثل في معارضتنا للنظام وليس لشخص؛ إنها معارضة لسياسات فاشلة تراكمت على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية والأمنية. ونعتقد أن أحادية النظام وفرديته وانتشار الفساد في قطاعات كثيرة في الدولة في عهد نظام الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز والارتباك في السياسات الدبلوماسية، إضافة إلى أمور أخرى، دفعتنا إلى معارضته، لكننا نمارس هذه المعارضة بطرق سياسية مسؤولة، سواء في إطار تحالفاتنا السياسية، أو من خلال أدائنا داخل مؤسسات الدولة، وخصوصاً داخل البرلمان.

 فى شهر مارس/آذار الماضي اندلعت أزمة بين النظام والإسلاميين، وأسفر ذلك عن حل بعض جمعياتكم ومؤسساتكم. هل تتوقعون أن يلجأ النظام الموريتاني إلى التضييق عليكم أكثر، في ظل أجواء التضييق والاستهداف التي يتعرض لها الإسلاميون في العديد من الدول العربية؟

لا أحبّذ المبالغة. صحيح أنّه جرى حلّ جمعية "المستقبل" بقرار متعسف من طرف الحكومة الموريتانية ووزارة الداخلية، وهو يعبّر عن عقلية متخلّفة في التعامل مع جمعية تقدم ثقافة عالية المستوى للمجتمع. لكننا لا نتعامل مع هذا الأمر بهذا التضخيم. ونعتقد أن التراجع عن هذا القرار يفرضه سلوك أهل الجمعية ومسؤوليتهم العالية، ويفرضه فشل النظام في إيجاد أي مبرر مقنع لهذا القرار، وتفرضه أيضاً حاجة الناس إلى جمعية "المستقبل". ونعتبر أنّ استهداف الإسلاميين ليس نزهة، ولا نتمنى المواجهة مع الأنظمة. واعتقد أن الإسلاميين لديهم من التجارب والمعرفة ما يؤهلهم للتكيف مع كل حادث وطارئ.

هناك تحضيرات لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ خلال الأشهر القادمة، هل سيشارك حزب "تواصل"؟

حتى الآن لم تتضح الصورة. وهناك جدل قانوني في دوائر السلطة للبحث عن مخرج لهذا التجديد المزمع لصعوبة وجود هذا المخرج، سواء تعلق الأمر بتجديد ثلث واحد أو ثلثين.

"
بالنسبة لحزب "تواصل"، لم نتخذ بعد موقفاً من هذه الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ

"

 وبالنسبة لحزب "تواصل"، لم نتخذ بعد موقفاً من هذه الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ، وبالتأكيد، حين تناقش الهيئات المختصة لموقفنا ستأخذ بعين الاعتبار الظرف السياسي، إضافة إلى موقف الحلفاء في المنتدى، وكلهم أو غالبيتهم مقاطعون وهو جزء من الانتخابات النيابية والبلدية التي أفرزت المستشارين الذين يشاركون في انتخابات الشيوخ. مع العلم أن الظرف السياسي آت بعد انتخابات رئاسية نحن قاطعناها مع حلفائنا، إذن الوضع ليس سهلاً والحالة صعبة.

بعد الخلافات التي سببتها مواقف المعارضة المتباينة من قضية المشاركة في الانتخابات ومن الحوار مع النظام، هل ترى أن "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" لا يزال مظلة قادرة على جمع كلمة المعارضة الموريتانية والتعبير عنها؟

"المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" يجمع الأغلبية الساحقة في المعارضة الموريتانية، المتمثلة في الأحزاب المعارضة والقوى المدنية والنقابية والشخصيات المستقلة.
وحتى الآن، يظهر أن المنتدى قادر على القيام بمسؤوليته ونرجو له مزيداً من النجاح خصوصا في ظل المأمورية الجديدة لقيادته الحالية سواء في الرئاسة أو الأمانة التنفيذية، والمرحلة القادمة قد تشهد تطورات سياسية، وسيكون المنتدى على قدر المسؤولية.

ما هو موقفكم من اعتقال السلطات الموريتانية لعدد من الناشطين الحقوقيين المناهضين للعبودية، وكيف تقيمون طريقة معالجة النظام لقضية العبودية وبقاياها؟

موقفنا ثابت من الاعتقالات والقمع مهما كان الطرف أو الشخص أو الحزب أو المنظمة الضحية. وقمنا بالتنديد في بياننا الرسمي بهذا الاعتقال، وطالبنا بإطلاق سراح المعتقلين. ونحن نعتبر أن ما يحمله خطاب هذه المجموعات يشكل تجاوزاً وصفناه بالإثارة والتحريض، لكننا نندد بهذا الاعتقال، ونطالب بإطلاق سراح المعتقلين. ونؤكد في الوقت نفسه، أننا نناضل كقوى سياسية ضد الاسترقاق. ونعتقد أن سياسة النظام، كمعظم الأنظمة التي تعاقبت على هذا البلد، تفتقد عنصراً مهماً وهو الشجاعة الأدبية في الاعتراف بالظاهرة.

ما رأيكم في دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية الموريتانية؟

معروف أن المؤسسة العسكرية تدخلت في الحياة السياسية، للأسف، وهذا التدخل أفسد الحياة السياسية والعسكرية، لأن طبيعة المؤسسة العسكرية تفرض عليها أن تكون فوق الخلافات السياسية أو بعيدة عن الخلافات السياسية، وأن تكون جزءا من كيان الدولة تهتم بحفظ الأمن والاستقرار والحوزة الترابية. وحين تتدخل في السياسة تخرج عن مهمتها وتفسد على الآخرين مسؤوليتهم، ولذلك نؤيد الفصل بين الجيش والسياسة، رغم تقديرنا واحترامنا  لهذه المؤسسة وأفرادها.

 لماذا نجا نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز من "مفاعيل" و"ارتدادات" الربيع العربي؟

لدي رأي قديم وهو أن الثورة حالة شعبية لا يمكن أن يفتعلها حزب، ولا يمكن أن يقف في وجهها نظام، لكن يجب أن تجتمع شروطها. وأعتقد أن الحالة الموريتانية لا تجتمع فيها شروط الحالة الثورية.

"
الحالة الموريتانية لا تجتمع فيها شروط الحالة الثورية

"

هل هذا موقف جديد؟

هذا ليس جديداً، بل موقف قديم. موريتانيا تستحق معارضة قوية ضد النظام، وهذا شأن الأحزاب وما تمارسه. وأعتقد أن الحالة الموريتانية لم تجتمع فيها ما اجتمع في بلدان أخرى لاندلاع حالة ثورية.

رحب حزبكم بالربيع العربي في بداياته وحاول مع حلفائه في المعارضة تبني خطاب راديكالي يدعو لإسقاط النظام، لكنكم تراجعتم وقبلتم بالحوار مع النظام، ماهو تأثير أحداث الربيع العربي على مواقف المعارضة الموريتانية؟

ما يمكن أن يسمى بمرحلة "الرحيل" أُغلق بالمعنى المتعلق بالشعار وخطاب تلك المرحلة، والمعارضة الموريتانية الآن تقوم بعمل سياسي يأخذ قوته من موقفها، ولكنه يتميز بمستوى كبير من العقلانية والموضوعية.
وتأثير الربيع كان إيجابياً، لأنه أوجد نفساً جديداً في الأمة، وحالة احتجاج على الواقع الظالم، ولكن تلك الظروف التي نشأت فيها تلك الحالة لم تعد قائمة.

"
تجربة الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة بعد ثورات الربيع لم تجد الوقت الكافي أو الظروف والأجواء المساعدة ما يسمح بالحكم عليها بالنجاح أو الفشل

"

لماذا فشلت تجربة الإسلاميين في السلطة في العالم العربي؟

لا أصف ما حدث بالفشل. أعتقد أن تجربة الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة بعد ثورات الربيع لم تجد الوقت الكافي أو الظروف والأجواء المساعدة ما يسمح بالحكم عليها بالنجاح أو الفشل. ورغم أن نجاحات متعددة وتفصيلية وقعت في الحالات التي وصلوا فيها إلى السلطة، غير أنّ حجم الثورة المضادة والإرباك ومساعي الإفشال كانت أكبر من تجربة في السلطة.

هل المستقبل السياسي للإسلاميين في تقدم وتطور، أم إلى تراجع وانحسار؟

ما يظهر من تراجع وانحسار للتيار الإسلامي يلازمه أو يصاحبه تراجع وانحسار في الحالة الديمقراطية في المنطقة العربية، وبالتالي فإن هذا الانحسار يعود إلى تغول الاستبداد وتراجع مستويات الحرية والديمقراطية في المنطقة، ولذلك لا يمكن أن يكون تراجعاً للتيار الإسلامي، بل على العكس هناك تقدم. المهم أن يراجع الإسلاميون ما حدث ومآلاته وأن يملكوا الشجاعة الكافية لاستخلاص الدروس والانطلاق من جديد.

ما رأيكم في الدور السياسي للإسلاميين في منطقة المغرب العربي، هناك سلوك سياسي متباين في التعامل مع السلطة بين المنهج "الإصلاحي" في المغرب والمنطق الثوري في تونس وليبيا خلال بداية الثورة في البلدين؟

ما يظهر أن الحالة الإسلامية في المغرب العربي لديها قواسم مشتركة، إذا ما استثنينا الحالة الليبية بحكم الخصوصية الليبية وبحكم التراث السيئ الذي تركه نظام معمر القذافي. وتتعلق هذه القواسم المشتركة بشكل كبير في طبيعة التفكير السياسي والنهج الإصلاحي، كما هو حال سلوك حركة "النهضة" في تونس بعد الثورة. كما يظهر هذا الأمر بشكل أبرز فى الحالة المغربية، فيما يظهر بدرجات أخرى في الحالتين الجزائرية والموريتانية. وبالتالي، فانّ العقل السياسي الإسلامي في منطقة المغرب العربي متقارب من حيث العقلانية والمرونة والإصلاحية.

 

" العربي الجديد "