قصاصو الاثر وسائل أمنية ناجعة في موريتانيا

أحد, 2015-01-18 16:01

نواكشوط ــ خديجة الطيب: يستعين الموريتانيون بمقتفي الأثر، للعثور على التائهين في الصحراء، والكشف عن بعض الحوادث الغامضة، واقتفاء أثر الخارجين عن القانون. وعلى الرغم من تطور وسائل الاتصال وعمل الأجهزة الأمنية، ما زالت طبيعة حياة الموريتانيين تفرض عليهم الاستعانة بـ"قصاصي الأثر". 

عادة ما توكل هذه المهمة للبدو الذين يعرف عنهم تمكنهم من "قص الأثر". لهؤلاء مزايا كثيرة، منها الذكاء والقدرة على التركيز والعيش في البيئة الصحراوية. يتوارث غالبيتهم هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم، فيما تقود الصدفة آخرين إلى "اكتشاف فراستهم في اقتفاء الآثار". 

غالباً ما ينجح قصاصو الأثر في كشف سر العديد من الأحداث والجرائم الغامضة، وتعقب التائهين في الصحراء وقطعان الإبل المفقودة وغيرها. حتى إن الجهات الأمنية تستعين بهم لتعقب المجرمين والإرهابيين، وخصوصاً أن الحدود الشمالية والشرقية لموريتانيا مفتوحة وغير مراقبة. وتحصل عمليات تهريب ضخمة تشمل الأسلحة والمواد المدعمة والمحروقات والمخدرات والبشر وغير ذلك. 

في هذا السياق، يقول شداد ولد الهادي (45 عاماً) وهو قصاص أثر، إنه تمكن، بسبب فراسته، من مساعدة الناس في مناطق صحراوية ووعرة، مضيفاً أنه استفاد من مهاراته التي تبدو للأشخاص العاديين خارقة، لتحديد أثر التائهين في الصحاري، والعثور على بعض المفقودين الذين كادوا يموتون، ليكرم من خلال الحصول على مبالغ مالية كبيرة. 

ويشير إلى أن حرفته تعتمد على قوة الملاحظة، والموهبة والخبرة، موضحاً "حين أبدأ العمل، يجب أن أكون مرهف السمع. كذلك، أمعن النظر وأشم الروائح. باختصار، أستجمع حواسي الخمس من أجل تحديد أثر الأشخاص بكل دقة". 

عن بداياته، يقول شداد: "بدأت أولاً بالتعرف إلى آثار أقدام أفراد العائلة. بعدها صرت قادراً على التعرف على آثار أقدام الغرباء. كذلك، صادقت بعض قصاصي الأثر الذين اشتهروا كثيراً في المنطقة، وساعدوني على احترف هذا العمل بعد وقت طويل وصبر". 

وعن العوامل التي تساعده في تتبع الأثر، يشير شداد إلى أهمية "اكتشاف طبيعة الأرض الصحراوية. عادة ما يترك الإنسان أو الحيوان أثراً واضحاً على الأرض. كذلك، فإن قلة عدد السكان يسهل ملاحظة أي أثر جديد وتتبعه لمسافات بعيدة". وعن المشاكل التي تواجهه، يقول شداد: "اعتدت عليها وخصوصاً في بداياتي. أما اليوم، فقد حفظت خريطة البلاد بعدما جلت فيها من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. حتى إن غاب نجم أو التحفت السماء بالغيوم، لا أحيد عن الطريق. أكثر من يغضبني هو تلهف الزبون واستعجاله. تحقيق الهدف بالنسبة لي أهم من المال". 

يضيف شداد: "لا أجد صعوبة في تتبع أثر الحيوانات بأنواعها. أميّز بسهولة بين الجمل والناقة؛ فقدم الجمل تنهب الأرض نهباً، بينما قدم الناقة تلامسها بلطف. أما الذئب، فأميزه عن الأنثى على أساس أن قدمها أصغر من قدمه، كما يساعد التدقيق في أثر الغزال والأرنب على معرفة مكان تواجدهما في المرعى أم في المأوى، حيث يسهل اصطيادهما". يضيف: "لا أصطحب معي كثيرا من الزاد والمتاع، حتى لا يعيقني ذلك في عملي. أبدأ بتحديد الجهة التي جاء منها صاحب الأثر، وأنتهي بتحديد تلك التي سأتجه إليها. من خلال خبرتي في هذا المجال، يمكن القول إن عملي أشبه بالتحقيق الذي تقوم به الشرطة". يرى أن الناس "تبالغ في اعتبار أن قصاصي الأثر خارقون، ويجزمون بأنهم قادرون على التمييز بين قدم الرجل والمرأة والبكر والثيب والشيخ والشاب". 

في هذا الإطار، يقول الباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد نافع لـ"العربي الجديد" إن "العرب تفردوا بهذا العلم دون غيرهم من الشعوب. وساهم في لعب دور كبير في استقرار مجتمعات الصحراء، ومنع الحروب الطاحنة، من خلال الكشف عن أسرار الجرائم. حتى اليوم، يلجأ كثيرون إلى قصاصي الأثر، وخصوصاً أنهم يساهمون في اكتشاف كثير من الحوادث الغامضة". 

وعن نشأة هذه المهنة، يقول ولد نافع إن "تعلق البدوي الدائم بالبيداء يدفعه إلى تفحصها ليل نهار. فإن لاحظ أثراً غريباً يتبعه حتى يكشف حقيقته. كما أن خوفه على عشيرته يدفعه إلى إتقان هذا العمل، فيقوم بتتبع آثار الحيوانات المفترسة كالذئاب والضباع من أجل القضاء عليها قبل أن تهاجم أحداً. كذلك، فإن هواية الصيد المحببة لدى البدو تدفعهم إلى ملاحظة أية آثار لحيوانات الصيد من أجل تتبعها والفوز بها".

العربي الجديد