مصائر مختلفة.. موريتانيا بلد العبور لأوروبا بحثا عن الحياة

ثلاثاء, 2021-11-30 00:40

ديهو نيسيبل، عبد الله يعقوب وحسن إبراهيم؛ ثلاث قصص، ثلاث مصائر مختلفة؛ جمعتها تراجيديا الهجرة، وقصصها التي لا زالت مستمرة فصولها في قارة يستنكها الفقر والجوع، وتمزقها الحروب العمياء.

هؤلاء الثلاثة، يجتمعون في مركز استقبال بالمهاجرين المشردين في مدينة نواديبو الموريتانية؛ فروا من ساحل العاج، تشاد والسودان، وجمعتهم بلاد شنقيط؛ بعدما غرقت بلدانهم غرقت في الحروب، الصراعات السياسية والفقر المدقع.

في عاصمة موريتانيا الإقتصادية، جالستهم “رأي اليوم”، استمعت لهم، وهم يقولون إنهم لا يريدون الهجرة بالقوارب، فهم لا يستحقون أن الموت بهذه الطريقة التراجيدية، لكنهم جميعًا يتخيلون الحياة التي تشبه الحياة، في أوروبا، إذا ما إستطاعوا إليها سبيلا.

 

طفولة مغدورة

 

“ماذا كان سيحدث لو كنت قد عشت طفولة مثل طفولتك؟ إذا كنت قادرًا على الذهاب إلى المدرسة، أو العمل؟.. ماذا كان سيحدث إذا كنت طفلاً بإمكانه أن يلعب كباقي الأطفال، ليس جائعًا، لديه من يعيله وعائلته.. طفل لا يهرب من الحرب؟.. لو كانت لدي حقوق وفرص عندما كنت طفلًا، فلن أكون هنا اليوم أمامك سيدتي!”.

بهذه العبارات الأليمة، التي يرشح منها الحزن والغضب، كلمات تترجم معنى الطفولة المغتصبة؛ بدأ ديهو نيسيبل، حديثه لـ”رأي اليوم”، هو شاب يبلغ من العمر 25 عامًا، اضطر في التاسعة عشرة من عمره إلى الفرار من ساحل العاج، بسبب فقر عائلته.

في موريتانيا، لم يجد الاستقرار أو الفرص التي كان يبحث عنها، إذ يعيش الآن في غرفة مع حوالي 20 شخصًا آخرين، في مركز منظمة المهاجرين، بمدينة نواذيبو.

“أعرف العديد من الأشخاص الذين ذهبوا على متن قارب إلى جزر الكناري وغرقوا في البحر… لا أريد الذهاب، لا أستحق أن أموت هكذا”، يقول بكل ثقة، ولكنه مع ذلك، يكدس أحلامه في مخيلته، منتظرًا موعد الهجرة إلى الشمال.

أراد ديهو أن يصبح لاعب كرة قدم، حيث أنه كان يمارسها جيدًا، كما يقول “في الواقع، هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن أحلم به، كان علي أن أتوقف عن الدراسة مبكرًا جدًا، وقد أتيت إلى موريتانيا للعثور على وظيفة جيدة للمضي قدمًا بها”.

في البداية كانت بلاده بذرة للحلم الكروي، وفي النهاية، لم تكن موريتانيا أرضًا لزاعته بشكل أفضل، “أحيانًا أعمل في صيد الأسماك، ولكن ليس كل يوم أحصل فيه على أجر… أحيانًا”.

 

“لم أختر”

 

المشكلة التي يواجهها المهاجرون غير النظاميون، من بقية دول إفريقيا في موريتانيا؛  هي أنهم لا يملكون وثائقًا للعيش بشكل قانوني في البلاد.

المهاجرون أيضا لا يمكن توظيفهم، ذلك شيء مشابه لما يحدث للاجئين؛ يمكنهم البقاء في البلد، لكن لا يمكنهم العمل.

في مقر المنظمة التي تعنى بالمهاجرين، ينام عشرات الرجال في غرفةواحدة، ومنن بينهم عبد الله يعقوب أبكار، صبي يبلغ من العمر 22 عامًا، ولد في تشاد.

هذا الفتى، دمرت الحرب في البلاد حياته تماما، ووفي محاولته للفرار، اختطفته جماعة “بوكو حرام” الإرهابية في نيجيريا.

“عذبوني وشوهوا أصابع قدمي”، وفق شهادته لهذه الصحيفة، كما تعرض في مالي لسوء المعاملة والضرب، حيث أن “النوم؟ لا أعرف ما هو”.

يحكي قصته الكئيبة، وعن موريتانيا، التي تمكن بالكاد من إيجاد عمل بها، “لكني على الأقل أعيش في سلام”، سلام جاء بعد وجع، حيث فقد الكثير من الأصدقاء والعائلة.

ويقول، “لا أريد الذهاب إلى أوروبا، أريد فقط أن أعود إلى حجرة الدراسة، إلى منزلي مع عائلتي”.

الحياة تؤلم كثيرا في تلك الغرفة، إذ “يعاني البعض من العديد من الكوابيس، لدرجة أنهم يصيبونهم بنوبات ذهانية في الليل، ويصابون بالجنون”، يضيف.

هذا الفتى، في كلامه مواجع الحياة تختزل، شيء موجع حقًا، أن تعيش كل هذا، وتستمر في طريق حلمك، موجع حقًا ذلك!، “نحن لا نغادر بلادنا للبحث عن أي شيء، لقد غادرت لأنني لا تستطيع العيش هناك… أنا لم أختر أن أولد وأترعرع في بلد في حالة حرب”.

 

“لم أعد ذلك الطفل”

 

عبد الله، شابٍ تشادي، تعرض للاختطاف والتعذيب، على أيدي إرهابيي “بوكو حرام” أثناء رحلتهم من تشاد إلى موريتانيا.

“لم أعد ذلك الطفل ولن أكون ذلك الطفل مرة أخرى”، يقول في شهادته.

بينما يتحدث عبد الله، كان حس،ن يستمع لزملائه في السكن، وكانت كل الذكريات تعيده إلى السودان، البلد الذي ولد فيه.

يبلغ اليوم، من العمر 25 عامًا ويعيش في موريتانيا منذ ثلاث سنوات،”كانت حياتي جيدة، كنت أدرس الهندسة المدنية في الجامعة… توقف كل شيء مع الحرب الأهلية في السودان”.

“آمل فقط أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، وأن يسير كل شيء على ما يرام، وأن أتمكن من العودة إلى بلدي… لم أغادر السودان لأنني أريد الذهاب إلى أوروبا.. لقد غادرت لأنني لا أستطيع العيش هناك!”.

في مركز المهاجرين، وفر لهم مطبخ جماعي ومراحيض وحمام، ويقول رئيس المركز، نحن لا نرحب بأولئك الذين يريدون الهجرة بطريقة غير شرعية، ولن نساعد في ذلك”.

ويتابع قائلاً، “في الأصل نحن مهاجرون نساعد المهاجرين”، وكلامه صحيح، لأن هذه المنظمة أنشأها مهاجرون قدماء ببلاد المليون شاعر، منذ عقود، عاشوا نفس الواقع الذي يعيشه الكثيرون اليوم، ذلك الواقع الذي تصفه اللغة بكلمة، اللاشيء.

نواكشوط – “راي اليوم” : السالكة الغزاري