اختصّ الله سبحانه وتعالى الأمّة المحمّدية على غيرها من الأمم بخصائص، وفضّلها على غيرها من الأمم بأن أرسل إليها الرّسول الكريم وأنزل لها الكتاب المبين، كلام ربّ العالمين
في ليلة مباركة هي خير اللّيالي، ليلة اختصّها الله تعالى من بين اللّيالي، ليلة العبادة فيها
هي خير من عبادة ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، وهي “ليلة القدر”.
ليلة القدر هي اللّيلة العظيمة الّتي شرّفها الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} سورة القدر.
من أعظم الفرص في هذا الشّهر الفضيل، الحرص على ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن لم يكن، فعلى الأقل ليلة 21، 23، 25، 27، 29، لأنّ ليلة القدر لن تتعدّى إحدى هذه اللّيالي كما قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”.
فكم سنة تعدل ليلة القدر؟ أكثر من ثلاث وثمانين سنة! فلو حرصت كلّ الحرص على هذه اللّيلة فلا تفوتك، وذلك بقيام كلّ ليالي العشر الأخيرة، واستغلال كلّ ليلة منها كأحسن ما يكون الاستغلال كقدوتنا ونبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كما روت عنه أمّ عائشة رضي الله عنها: “أنّه إذا دخل العشر شَدّ المئزر وأحيَا ليله وأيقظ أهله”.
ولنحسب عمر واحد منّا حرص على القيام في ليالي الوتر لمدّة عشر سنوات، إنّ هذا يساوي أكثر من 830 سنة بإذن الله، ولو عِشت عشرين سنة بعد بلوغك، وكنتَ ممّن يستغل كلّ ليالي العشر بالعبادة، لكان خير من 1660 سنة بإذن الله، وبهذا نحقّق السّبق يوم القيامة، وذلك باستغلال فرص لم تكن للأمم السّابقة. لذلك، ادعُ الله أن يُعينك ويوفّقك لقيام ليلة القدر.
واحرص بعد غروب الشّمس على القيام بالفرائض والسنن، بأن تعجّل بالفطور احتسابًا، ولا تنس الدّعاء في هذه اللّحظات، ومن ضمنه: “اللّهمّ أعنّي ووفّقني لقيام ليلة القدر”، خاصة هذا الدّعاء المأثور عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “اللّهمّ إنّك عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنّي”.
وكان من سُنّته صلّى الله عليه وسلّم أن يتحرَّى ليلة القدر التماسًا للخير الّذي قدّره الله فيها؛ ولذلك كان يعتكف عليه الصّلاة والسّلام في العشر الأواخر من رمضان التماسًا لليلة القدر، اللّيلة الّتي أثنى عليها الله عزّ وجلّ، ووصفها بأنّها خير من ألف شهر، وقال عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه” رواه البخاري.
فعلى المسلم أن يبذل جهده في العشر الأواخر كلّها وليس في يوم واحد، وهذا هو هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فكان عليه الصّلاة والسّلام يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. والله سبحانه وتعالى أخفى ليلة القدر لكي يجتهد المرء المسلم ولا يتكاسل، فيقوم كلّ الأيّام لكي يدرك الفضل العظيم في هذه اللّيلة المباركة.
الخبر الجزاءيرية