الإنقلابات العسكرية بمنطقة غرب إفريقيا السياقات و الدوافع/ اباي ولد اداعة

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
اثنين, 2025-12-08 11:03

الإنقلابات العسكرية في إفريقيا ليست مجرد أحداث معزولة بل ظاهرة متجذرة تعكس أزمات عميقة في الحكم و حوكمة الموارد و تحقيق التنمية ،

حيث يري العسكريون أنفسهم أحيانا كبديل لإنقاذ الوطن من الفساد و الفوضي العارمة .

 بحيث تعاني منطقة غرب إفريقيا منذ فترة من إضطرابات عميقة و عدم إستقرار سياسي خطير.

واقع شكل بئة خصبة ومناسبة للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية المنتخبة و القائمة مع اتساع و انتشار موجات عدوي الإنقلابات داخل المحيط الإقليمي.

سرعان ما تحظي هذه الإنقلابات المتكررة بإجماع عسكري و تأييد شعبي واسع رغم إختلاف طبيعتها من انقلاب نخبة عسكرية علي رئيس منتخب إلي انقلاب نخبة عسكرية علي نفسها.

تثير في عمومها موجات غضب و إدانة و استنكار واسعة و مواقف دولية مطالبة بالإفراج الفوري و إعادة السلطات الدستورية و العمل بروح الدستور.

قد لا يمنع من وجود مفاوضات وترتيبات غير معلنة مع الأطراف المختلفة.

سرعان ما تتقلص هذه المواقف و يتلاشى هذا التعاطف مع مرور الزمن من خلال تجاوز بعض المعطيات و السكوت عن الممنوع منها في ظل تراجع وتيرة الرفض و حجم ضغوط المجتمع الدولي و الإتحادين الأوروبي و الإفريقي اتجاه الإنقلابيين بحكم العجز و الفشل في إيجاد حلول بديلة و تبني وسائل ردع مؤثرة في ظل ضعف تأثيرات العقوبات و عدم جدوائيتها و تقاطع المصالح و بالتالي الإستسلام و الإعتراف بأمر الواقع في إطار الشرعنة لمرحلة انتقالية جديدة وهكذا دواليك.

مما عزز من تنامي و تفشي هذه الظاهرة سيئة السمعة و مخلة بالقيم الديمقراطية و معيقة للتنمية المستدامة.

و فاقم أيضا من تهديد الإرهاب و التطرف العنيف و الإنفلات الأمني داخل المنطقة.

في حين يري بعض المحللين للشان الإفريقي أن إفريقيا مازالت بحاجة ماسة إلي بناء مؤسسات راسخة تمنع تكرار هذه الظاهرة بقوة القانون و الدساتير و تعمل علي ترسيخ مفاهيم الحكم الديمقراطي و المدني علي جميع المستويات .

خاصة في ظل عدم استيعاب الدور الوطني للجيوش.

و عدم ممارسة النخب السياسية لما يكفي من العمل الديمقراطي و الإلتزام بالتناوب الديمقراطي و الإبتعاد عن تكريس حكم الفرد و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة و محاربة الفساد في كل تجلياته.

ففي هذا السياق شهدت دولة بنين اليوم و علي وقع الأوضاع الإقتصادية المتردية المعاشة و السياسية المتأزمة و نهج الإستبداد ،

محاولة إنقلاب فاشلة بعد أن أعلن عسكريون في وقت مبكر عبر التلفزيون الرسمي أنهم تمكنوا من الإستحواذ علي السلطة و عزل الرئيس باتريس تالون من منصبه و إغلاق الحدود و حل جميع المؤسسات كما جرت العادة في مثل هذه الظروف .

قبل أن يتدخل الجيش و يسيطر علي الوضع و يعيد الأمور إلي حالتها الطبيعية .

حدثت هذه المحاولة رغم أن الرئيس تالون سبق و أن نفي نيته الترشح لولاية ثالثة و أنه لن ينهك أو يخرق دستور البلاد الذي ينص منح الرئيس المنتخب فترتين رئاسيتين فقط .

من المنتظر أن تنتهي عهدته بعد انتخابات ابريل 2026 مباشرة وتسليم السلطة لخلفه المرتقب حينها .

بالمقابل نددت بشدة بهذه المحاولة الفاشلة كل من المجموعة الإفريقية الإقتصادية لدول غرب إفريقيا ( ايكواس) و الإتحاد الإفريقي بالإضافة إلي السفارة الفرنسية في بنين ،

مؤكدين علي إحترام الدستور و دعم الشرعية و دولة بنين .

 تأتي هذه المحاولة الفاشلة بعد اسبوعين من وقوع انقلاب عسكري ناجح بغينيا بيساو نفذه رئيس أركان الجيش الجنرال هورتانتام 

 عشية الموعد المحدد لإعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية و التشريعية ،

الذي عين رئيسا للمجلس العسكري و رئيسا للمرحلة الإنتقالية بعد تأديته اليمين الدستوري .

أطاح برئيس البلاد المنتهية ولايته عمر سيسكو امبالو ،

الذي وجد نفسه خارج اللعبة بقوة نيران المدافع ،

متوجها إلي دولة السينغال كمحطة أولي قبل أن يستقربه الحال بالكونغو ابرازافيل ،

بإستيلاء الجيش في غينيا بيساو علي السلطة أرفع عدد الإنقلابات في القارة الإفريقية المضطربة إلي 10 انقلابات خلال 5 سنوات فقط و هي فترة تقدر بعمر مأمورية رئاسية دستورية واحدة من متوسط المأموريات .

و هو ما يؤكد أن غينيا بيساو لا تزال أسيرة لتاريخ مضطرب و دوامة من التدخلات العسكرية علي غرار دول الجوار بمنطقة الساحل و التي شهدت حالات مماثلة : مالي ، اتشاد ، غينيا ، بوركينافاسو ، النيجر ، و الغابون . 

كما ان لموريتانيا أيضا تاريخا طويلا و مليئا بالإنقلابات العسكرية منذ قيام الدولة المركزية 1960 م ،

حيث شهدت البلاد سلسلة من الإنقلابات ما بين الناجح و الفاشل ( مجموعها حتي الآن 15 إنقلابا عسكريا خلال 48 عاما من قيام الدولة رقم قياسي كبير و كبير جدا .

أعاق التنمية و شل الإقتصاد و ألقي بظلاله علي أمن و إستقرار البلاد و علي العملية الديمبراطية ) 

كان أبرزها الإنقلاب الأول 1978 م الذي أطاح بأول رئيس مدني مؤسس البلاد المرحوم المختار ولد داداه ،

وصولا إلي آخر إنقلاب 2008 م قاده الرئيس الأسبق السيد محمد ولد عبد العزيز ،

ضد أول رئيس مدني منتخب المرحوم سيدي ولد الشيخ عبدالله، 

مما جعل العلاقة بين العسكر و السلطة جزءا أساسيا من المشهد السياسي الموريتاني ،

بمعني ( ديمقراطية بجلباب العسكر ) 

لاشك أن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية و غياب القيادة الصالحة بالإضافة إلي سوء إدارة الدولة و تراكم الفساد و هشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم و ارتفاع المديونية و الأسعار و تدني مستوي المعيشة و تراجع النمو و انتشار البطالة و إثارة النعرات و النزاعات و الإحتراب الطائفي و الإثني.

مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة.

و زاد من تفاقم أزمة هجرة الشباب و الكفاءات خارج الديار في ظل عجز و فشل سياسات الحكومات لتشغيل و اندماج الشباب داخل الأوطان.

 في حين يلاحظ جليا أن أغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تعاقبت فيه إنقلابات عسكرية مقارنة بالدول الناطقة.بالإنجليزية الأكثر إستقرارا و الأنجع إقتصادا.

وضع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية و المزيد من التوتر في المواقف الدولية من دول المنطقة اتجاه فرنسا لتبنيها سياسات و استراتيجيات خاطئة ضد حكومات و شعوب مناطق نفوذها التاريخية مما أفقدها دورها الريادي و قلص من نفوذها لصالح قوي اقتصادية و عسكرية صاعدة كروسيا والصين و تركيا …الخ

 بينما يجمع بعض المختصين في قضايا الأمن و التطرف والإرهاب أن من شأن دخول هذه الدول التي شهدت محاولات أو إنقلابات عسكرية خلال الآونة الأخيرة في فوضي سياسية و أمنية عارمة أن تكون له تداعيات عصيبة داخل منطقة الساحل الإفريقي و علي الدول العربية المجاورة علي غرار الجزائر و ليبيا و ايضا موريتانيا و السودان بحكم و قوعهما في منطقة الساحل سواء من حيث تدفق المهاجرين و المجموعات المسلحة المرتزقة و الإرهابيين و نشطاء الجريمة المنظمة و ضياع المصالح الاقتصادية و الإستراتيجية.

إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر.

تأسيسا لما سبق نجد أن الأنظمة الإفريقية لها قاسم واحد مشترك يتمثل في غياب الحكامة الرشيدة و تعثر الديمقراطية و عدم تحقيقها للتوقعات و النجاحات التي انتظرتها شعوب المنطقة .

إضافة إلي أفتقارها لأسباب عوامل الرعاية و التعزيز و هشاشة الإقتصاد و تفشي الفساد و انتشار البطالة و هجرة الشباب ... 

حيث تتركز الثروات في يد فئات قليلة معينة دون غيرها سواء داخل النظام أو تلك التي تدور في فلكه .

بالإضافة إلي التحديات الأمنية و النزاعات الداخلية و الخارجية التي تضعف بنية الأنظمة و تستنزف الموارد الشحيحة في الأصل

مع عدم إحترام المواثيق الديمقراطية و الدساتير و لجوء كثير من الرؤساء الأفارقة المدنيين لتمديد فترات حكمهم أو تحايل بعضهم عبر تزوير نتائج الإنتخابات أو توريث السلطة لابنائهم، 

مما يغري العسكريين و يمنحهم مشروعية الإنقلابات .

إذ لاشك أن الإنقلاب آلية غير دستورية للإستيلاء علي السلطة .

إلا أنها تبقي الوسيلة الوحيدة المتاحة للتغيير داخل إفريقيا .

بالمقابل يجمع كل المحللين للشأن السياسي الإفريقي أن القناعة الراسخة و الوعي السياسي الحاصل إفريقيا و الرافض دستوريا لمأمورية رئاسية ثالثة علي مستوي بعض دول القارة و المحصن ديمقراطيا من عبث الخلود في السلطة هو مؤشر جيد لمستوي النضج نحو إشاعة ثقافة التناوب الديمقراطي السلمي و إحترام المضامين الدستورية.

لعل ذلك ما جسدته علي أرض الواقع الجارة الجنوبية السينغال بإجرائها إنتخابات رئاسية ديمقراطية نموذجية أثبتت من خلالها للعالم أن الشعوب قادرة علي التغيير السياسي و التداول السلمي علي السلطة بالأدوات السلمية و الديمقراطية الداخلية .

رغم كل ما يبدو من تحديات يبقي الأمل قائما من أجل مستقبل واعد لإفريقيا و غد أفضل و حياة كريمة لأبناء القارة في ضوء عوائد انتاج نفط و غاز مرتقبة و احتياطات كبيرة من الطاقة الأحفورية و استغلال مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع مما سيعزز مسار التنمية الإقتصادية و يوفر مصادر العيش للملايين و يحد من هجرة الشباب و أصحاب الكفاءات .

 بالإضافة إلي انعكاساته الإيجابية علي قطاعات الصحة و التعليم و ضخ المياه و تحليتها و إنتاج الكهرباء و الأغذية الزراعية و غيرها . 

بالمختصر المفيد ما تحتاجه إفريقيا اليوم أكثر من أي وقت مضي هو ديمقراطية حقة و حكامة رشيدة تؤسس لمرحلة جديدة من التعايش السلمي و قطيعة تامة مع الفساد و ممارسات الماضي الخاطئة و تحدث نقلة نوعية لمسيرة التنمية داخل القارة .

فإلي متي ستظل الإنقلابات العسكرية تجسد و تكرس عقدة الأفارقة في تدبير الوصول إلي السلطة ؟!

 

حفظ الله إفريقيا 

 اباي ولد اداعة.